أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

دييغو أرماندو مارادونا

             دييغو أرماندو مارادونا: أسطورة لا تُنسى في عالم كرة القدم

يُعد دييغو أرماندو مارادونا واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ كرة القدم. وُلد في 30 أكتوبر 1960 في فيلا فيوريتو، إحدى ضواحي العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، ونشأ في بيئة فقيرة كانت شاهدة على ميلاد عبقري كروي سيُبهر العالم بمهاراته، وسحره الكروي، وشخصيته المثيرة للجدل.

النشأة والبدايات

بدأت علاقة مارادونا بكرة القدم في سن مبكرة جدًا. حين كان في الثامنة من عمره، اكتشفه أحد كشافة نادي أرجنتينوس جونيورز، وانضم إلى فريق الناشئين المعروف باسم "لوس سيبوليتاس"، حيث أظهر موهبة غير عادية. كان مارادونا طفلًا قصير القامة، لكن تحكمه بالكرة، قدرته على المراوغة، ورؤيته المذهلة للملعب، جعلته نجمًا صاعدًا بسرعة البرق.

في سن السادسة عشرة، شارك لأول مرة مع الفريق الأول لأرجنتينوس جونيورز. ومن هناك، كانت الانطلاقة نحو النجومية. بعد عدة مواسم رائعة، انتقل إلى بوكا جونيورز، أحد أكبر الأندية الأرجنتينية، حيث فاز معهم ببطولة الدوري عام 1981.

مسيرته الاحترافية في أوروبا

برشلونة (1982-1984)

بعد تألقه اللافت في مونديال 1982، انتقل مارادونا إلى برشلونة الإسباني بصفقة قياسية حينها. رغم إصاباته وبعض الخلافات مع إدارة النادي، أظهر glimpses من سحره، وسجل أهدافًا رائعة، وأهدى الفريق بطولات مثل كأس الملك وكأس السوبر الإسباني. ومع ذلك، لم يستمر طويلاً في كتالونيا بسبب التوترات داخل النادي.

نابولي (1984-1991)

كانت فترة مارادونا الذهبية مع نادي نابولي الإيطالي. في نادٍ لم يكن له تاريخ حافل، أصبح مارادونا معبود الجماهير. قاد نابولي إلى تحقيق أول ألقابه في الدوري الإيطالي عام 1987، ثم كرر الإنجاز عام 1990، إلى جانب الفوز بكأس إيطاليا، وكأس الاتحاد الأوروبي، وكأس السوبر الإيطالي.

تحول نابولي خلال وجود مارادونا إلى فريق مرعب بفضل قدراته الفردية، وأصبح ملعب سان باولو مسرحًا لسحره. رغم المشاكل الشخصية والإدمان والعلاقات المثيرة للجدل خارج الملعب، فإن مساهماته الكروية غطت على كل شيء.

كأس العالم 1986: ملحمة الأسطورة

يُعد مونديال المكسيك 1986 ذروة المجد في مسيرة مارادونا. قاد منتخب الأرجنتين لتحقيق اللقب العالمي، وقدم أداءً فرديًا استثنائيًا لم يسبق له مثيل.

في مباراة ربع النهائي ضد إنجلترا، سجل مارادونا هدفين دخلا التاريخ:

  • الأول: "يد الله"، حين استغل اللحظة وسجل هدفًا بيده بطريقة مثيرة للجدل.
  • الثاني: "هدف القرن"، حيث راوغ خمسة لاعبين من منتصف الملعب وسجل أحد أجمل الأهداف في تاريخ اللعبة.

أنهى البطولة كأفضل لاعب، وتُوّج بالكرة الذهبية، وأصبح بطلًا قوميًا وأسطورة عالمية.

الأرقام والجوائز

رغم أنه لم يحظَ بأرقام تهديفية ضخمة كما هو الحال مع لاعبين مثل ميسي ورونالدو، فإن تأثير مارادونا كان يتجاوز الأرقام. إليك بعض أبرز إنجازاته:

  • كأس العالم 1986
  • كأس العالم للشباب 1979
  • بطولتان للدوري الإيطالي مع نابولي
  • كأس الاتحاد الأوروبي 1989
  • كأس ملك إسبانيا 1983
  • الكرة الذهبية لمونديال 1986

أسلوب اللعب

كان مارادونا لاعب وسط هجومي يتمتع بموهبة فطرية خارقة. تحكمه بالكرة بقدمه اليسرى، رؤيته الاستثنائية، تمريراته الدقيقة، وقدرته على خلق الفرص من لا شيء جعلته فريدًا من نوعه. كان يملك سرعة، خفة حركة، وشخصية قيادية.

من النادر أن يجتمع الإبداع، المهارة، والشغف في لاعب واحد كما اجتمعت في مارادونا. حتى خصومه لم يستطيعوا سوى الاعتراف بعبقريته.

حياته خارج الملعب

مارادونا لم يكن فقط لاعب كرة قدم، بل كان ظاهرة اجتماعية وثقافية. له مواقف سياسية مثيرة، وكان قريبًا من الشعوب الفقيرة والمهمشة. دعم حركات مثل الثورة الكوبية، وكان صديقًا للزعيم فيدل كاسترو.

لكن حياته لم تخلُ من الجدل، فقد عانى من الإدمان، وأُوقف أكثر من مرة بسبب تعاطي المخدرات، وكانت له تصريحات نارية ضد الفيفا، المدربين، وحتى بعض اللاعبين. رغم كل ذلك، بقيت جماهيريته طاغية.

العودة إلى الأرجنتين والتدريب

بعد اعتزاله اللعب عام 1997، خاض مارادونا عدة تجارب تدريبية، أبرزها توليه تدريب منتخب الأرجنتين بين عامي 2008 و2010، وقاد الفريق إلى ربع نهائي كأس العالم 2010. كما درب أندية في المكسيك والإمارات، وحظي باحتضان جماهيري كبير أينما ذهب.

وفاته وتأثيره

في 25 نوفمبر 2020، رحل دييغو مارادونا عن عالمنا إثر سكتة قلبية، تاركًا خلفه حزنًا عالميًا. نُكّست الأعلام، وأقيمت له جنازة وطنية في الأرجنتين، وشارك الملايين في وداعه الأخير.

رحيله لم يكن نهاية لقصته، بل بداية لإرث خالد. فقد تم تخليد اسمه عبر تماثيل، شوارع، أغاني، وأفلام وثائقية. بل إن نابولي غيّر اسم ملعبه ليصبح "ملعب دييغو أرماندو مارادونا".

مارادونا مقابل ميسي: من الأعظم؟

السؤال الأبدي في الأرجنتين. يرى البعض أن مارادونا يمتلك الكاريزما والروح القتالية التي لا تُضاهى، بينما يمتاز ميسي بالثبات والاحترافية. مارادونا حمل منتخبًا عاديًا إلى المجد في 1986، بينما فاز ميسي بكل شيء في عصر حديث صعب.

كلاهما أسطورتان، ومقارنتهما قد تكون ظلمًا لهما. لكن لا أحد يستطيع إنكار أن مارادونا كان رمزًا، وثائرًا، وفنانًا بالكرة.

إرث لا يُنسى

مارادونا لم يكن لاعب كرة قدم فقط، بل كان معجزة كروية، عبقريًا فنيًا، وأيقونة خالدة. مزيج من الموهبة، الجنون، الحب، والخطأ، جسّد التناقضات البشرية في ملعب مستطيل.
قال عنه غاري لينيكر: "ما يفعله دييغو بالكرة، لا يمكن لأحد أن يحلم به حتى في البلاي ستيشن".
مارادونا سيبقى خالداً في قلوب الملايين، صوتًا في المدرجات، وذكرى محفورة في تاريخ كرة القدم. لقد كان وما يزال أسطورة لن تتكرر.

تعليقات